تعتبر القيم الأخلاقية من الأسس الهامة لبناء الحضارات كما رآها الإمام الماوردي في كتبه عن فلسفات الحضارة الإسلامية. كما أن الأخلاق تعتبر ضمن العوامل التي تساعد على بناء الحضارات الإنسانية بشكل سليم. وذلك من خلال بناء أخلاق الفرد في المجتمع. كما أن الحضارة الإسلامية كانت من أبرز الحضارات التي اهتمت بالطرق التربوية، والمؤسسات التعليمية، بالشكل الذي يساهم في تنمية هذا النوع من القيم.
تعريف القيم
قبل أن نتعرف على مفهوم القيم الأخلاقية، علينا أولًا أن نتعرف على مفهوم القيم. ويمكننا أن نُعرفها على أنها مجموعة المبادئ التي تترسخ لدى الإنسان منذ نشأته، ومع مرور سنوات تقدمه في العمر. والتي تكون الأساس الذي تنطلق منه قراراته، وسلوكياته. كما أنا هي المعيار الذي تقاس به قيمة الإنسان في المجتمع.
مفهومها
القيم الأخلاقية مجموعة المبادئ الاجتماعية، والأعراف، والعادات والتقاليد التي تتناسب مع أخلاقيات المجتمع. وتكون بمثابة الميثاق أو القانون الذي يحكم سلوكيات الفرد نحو ذاته، ونحو أسرته، ونحو بتقي أفراد المجتمع.
وعلى الرغم أن علماء الاجتماع مابعد الحداثة بدايةً من سبعينيات القرن الماضي عرَّفوها على أنها مجموعة القيم الجامدة والمتخلفة، والتي تعيق عملية التطور الاجتماعي. إلا أننا نجد أن الحضارة الإسلامية كانت أبرز مثال على رفض هذا الإدعاء. لكون الإسلام قد أكد على أن الأخلاق هي ما تُبنى عليه الحضارات، وأساس تقدم المجتمعات.
كيفية اكتساب القيم الأخلاقية
تختلف الكيفية التي يكتسب بها الفرد والمجتمع القيم الأخلاقية الخاصة به، باختلاف المجتمعات ذاتها، وعلى سبيل المثال:
- نجد المجتمعات الإسلامية، عربية كانت أو غربية تستمد القيم الأخلاقية من التشريعات الإسلامية والتي بشكل أو آخر تتوافق مع الفطرة السليمة للإنسان السوي. كما نجد المجتمعات القبطية في هذه الدول تلتزم بالتقاليد والأعراف التي لا تذهب بعيدًا عن هذه الفطرة.
- ولكننا نجد المجتمعات الأكثر انفتاحًا والتي تتخذ من العلمانية نهجًا لها، تكتسب القيم الأخلاقية من التصرفات العقلانية والتي تندرج تحت القيم الإنسانية، والغريب أنها لا تبتعد كثيرًا عن القيم الأخلاقية التي إنبثقت عن الديانات السماوية.
والجدير بالذكر في هذه الجزئية بالذات أننا بدأنا نرى حركات مجتمعية ترفض تماما ما يتم الترويج له وفرضه فرضًا من بعض الأجندات السياسية. كما في بعض الدول فهناك مقاومةً شرسةً وتمسكاً واضحا بما بقي من القيم الأخلاقية. وذالك عن طريق رفض المثلية الجنسية، ورفض التنوع الجنساني وعمليات التحول، التي تسببت في تحلل تلك المجتمعات. وأصبحت كما يمكن أن نقول أن تلك الأقليات من الجماعات الشاذة عن المجتمع تريد أن يكون عالي هذه القيم سافلها.
أهداف القيم الأخلاقية
هناك مجموعة من الأهداف التي يتم السعي إليها خلال المجتمعات ذات القيم الأخلاقية. والتي يمكن أن نحددها في الآتي:
- توفير الإمكانية للفرد في التعرف عن ذاته، والتعرف على ما يميزه وما يعيبه، وعليه يستطيع تطوير نفسه من خلال برامج التنمية البشرية المختلفة، بما ينفع به نفسه. وأيضا بما يؤهله لمساعدة الآخرين.
- إعطاء الفرصة للأفراد في المجتمعات في التعبير عن آرائهم حول القضايات الأخلاقية المختلَف عليها، بما يتوافق والمعايير الأخلاقية وذالك للمحافظة على القيم المجتمعية.
- نشر جو عام من السلمية في المجتمع، وزيادة الإحساس بالتماسك المجتمعي النابع من التماسك الأسري الذي يأتي نتيجةً لتحقيق القيم الأخلاقية في المجتمع الواحد.
- زيادة معدلات إتقان العمل، نظرًا لأن إتمام الأعمال المجتمعية على أكمل وجه يزيد الإنتاجية في المجتمع، والإحساس بالرضا.
- التعرف عن قرب على سلوكيات الأفراد في المجتمع، بشكل يتيح لنا التعرف على العيوب الموجودة في المجتمع والعمل على حلها.
أهمية القيم الأخلاقية
تساعد القيم على اكتساب المجتمعات للكثير من الأمور الإيجابية. وعلى رأسها العدالة، والحرية، والنزاهة، والاستقامة، واحترام الذات، واحترام الآخرين، مما يجعل تلك المجتمعات قادرة على إتخاذ القرارات السليمة، مما يُؤَّدي الى إزدهارها.
تحفيز العوامل التي تساعد على زيادة الإبداعية لدى أبناء المجتمع الواحد. وعليه يختفي الغش، والزبونية، والتزييف، والكذب، والرياء. ولا يتبقى سوى الإبداعية والإتقان في العمل، والاحترام المتبادل والسعادة الحقيقية.
زيادة نسبة الإيجابية نحو حل القضايا والإشكاليات المختلفة، التي تواجه على حدٍ سواء الفرد أو المجتمع.
في الختام يمكن القول بأن الأمم لا تُبنى إلاَّ ويكون أساسها ولبنتها الأولى هي الأخلاق. فهي المقَّوِم الأساسي للكثير من الأمور بالنسبة للأفراد والمجتمعات. وذلك من خلال إعطاء كل ذي حقٍ حقه تحقيقًا لمبادئ العدالة، والتعبير بحرية، والشعور بالرضا والأمان.
كما أن الإسلام وكونه أبرز الأديان السماوية فقد أعطى للأخلاق مكانتها الحقيقة، وعلَّم العالم أهمية الأخلاق في بناء الحضارات، كما جاء ذلك في الأحكام الشرعية من القرآن الكريم. وأيضا في الأحاديث النبوية الشريفة. ولعل أبرز الأمثلة حديث أبي هريرة رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وعليه نجد أن أحد أسباب بعثة النبي ورسالته هي الأخلاق نظرًا لأهميتها في بناء إنسان سوي ومجتمع سليم.