مقدمة الديمقراطية في الإسلام
تعتبر الديمقراطية في بعض المجتمعات نظامًا سياسيًا يعزز من حرية التعبير والحقوق الفردية، لكن الديمقراطية في الإسلام، يمكن اعتبارها ليست فقط نظامًا غير مناسب، بل تتعارض مع المبادئ والقيم الأساسية للدين، حيث توكل سلطة التشريع إلى الشعب أو من ينوب عنهم كأعضاء البرلمان. وبالتالي، يكون الحكم هنا لغير الله تعالى، بل للشعب ونوابه. في هذه الحالة، لا يعتبر الإجماع هو المعيار، بل يُحكم بالأكثرية، مما يعني أن اتفاق الأغلبية يمكن أن يسن قوانين ملزمة للأمة حتى لو كانت تلك القوانين مخالفة للفطرة والدين والعقل.
1. تعارضها مع مفهوم الحاكمية لله
في الإسلام، الله هو الحاكم المطلق وأن الشريعة هي مصدر القوانين. فالديمقراطية، التي تعتمد على إرادة الشعب وتدعو أن يكون القرار في يد الأفراد، تتعارض مع فكرة أن الله وحده هو مصدر السلطة. وقد أخبر الله تعالى في كتابه أن الحكم له وحده، فهو أحكم الحاكمين. ونهى عن إشراك أي أحد معه في حكمه، وأكد أنه لا أحد أحسن منه حكماً.
قال الله تعالى : ( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) غافر/12 ، وقال تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) يوسف/40 ، وقال تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين/8. وقال تعالى : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 .
والله عز وجل أعلم بما يصلح وما لا يصلح من الأحكام والتشريعات. بينما يتفاوت البشر في عقولهم وأخلاقهم وعاداتهم، فإنهم غالبًا ما يجهلون ما يصلح وما لا يصلح. لذلك، نرى أن المجتمعات التي أعطيت فيها السلطة للشعب في وضع التشريعات والقوانين شهدت عادةً فسادًا وانحلالًا أخلاقيًا، وتفككًا اجتماعيًا.
ولا شك أن النظم الديمقراطية تعتبر إحدى صور الشرك الحديثة في الطاعة والانقياد، أو في التشريع، حيث تلغى سيادة الخالق سبحانه وتعالى وحقه المطلق في التشريع، وتصبح هذه الحقوق من اختصاص المخلوقين. الله تعالى يقول: ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف/40 ، ويقول تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) الأنعام/57 ”
2. الفوضى والفساد السياسي
تؤدي الديمقراطيات إلى تعدد الأحزاب والمنتخبين وتعدد والآراء، مما يمكن أن ينتج فوضى اجتماعية وصراعات. كما أن هذه الأنظمة قد تحولة في العديد من الدول إلى مجرد شعارات تستخدم لخداع الناس، ويصبح الحاكم الفعلي هو رأس الدولة وحاشيته، بينما يقهر الشعب ويحرم من إرادته. ولا يوجد دليل أوضح على ذلك من أن الديمقراطية تتعرض للدهس في حال جاءت بأمور لا تتوافق مع رغبات الحكام، فتُداس بأقدامهم. وواقع كبت الحريات وتكميم أفواه من يتحدثون بالحق هو حقيقة يعرفها الجميع ولا تحتاج إلى إظهارها.
3. الفساد الأخلاقي بإسم الحرية
يظن كثير من الأشخاص، أن ” الديمقراطية ” تعني : الحرية ! وهذا ظن مغلوط، وإن كانت الحرية هي إحدى نتائج ” الديمقراطية ” ، والمقصود بالحرية هنا : حرية الاعتقاد ، وحرية التجرد من الأخلاق ، وحرية إبداء الرأي، والسماح بالتبرج والسفور والترويج لعلاقات ما قبل الزواج والمثلية، ونشر الصور والأفلام الهابطة بحجة الحرية ، وهكذا في مجموعة كبيرة من معاني الحرية، كلها تساهم في إفساد الأمة ، خلقيّاً ، ودينيّاً.
6. مغالطة إقران مفهوم الديمقراطية بالشورى في الإسلام
يظن بعض الناس أن لفظ “الديمقراطية” يعادل “الشورى” في الإسلام، وهو اعتقاد مغلوط لعدة أسباب، منها:
الشورى تطبَّق في الأمور المستحدثة أو النازلة التي لا نص فيها من القرآن أو السنة. أما “حكم الشعب” فهو يتدخل في مسائل تعتبر من القطعيات في الدين. مما يسمح برفض ما حرَّمه الله أو بتحليل ما أباحه. على سبيل المثال، قد تشرع القوانين التي تبيح بيع الخمور والزنا والربا. بينما تفرض قيود على المؤسسات الإسلامية وعمل الدعاة إلى الله. مما يتعارض بشكل واضح مع الشريعة. كما أن مجلس الشورى يتكون من أفراد ذوي فقه وعلم وفهم ووعي وأخلاق. حيث لا يشاور فيه مفسد أو سفيه، ناهيك عن كافر أو ملحد. بينما المجالس النيابية الديمقراطية، لا تطبق هذه المعايير. مما يجعل من الممكن أن يتولى النيابة أشخاص غير مؤهلين. الأمر الذي ينسف مفهوم الشورى في الإسلام. وأيضا فالشورى ليست ملزمة للحاكم، حيث يمكنه تفضيل رأي واحد من بين الآراء المقدمة إذا كانت حجته قوية. بينما في الديمقراطية النيابية يعتبر اتفاق الأغلبية قانونًا ملزمًا للجميع، ولو كانت فيه مفاسد.
الخاتمة
بناءً على النقاط السابقة، يظهر جليا أن العديد من قيم الديمقراطية تتعارض بشكل جوهري مع التعاليم الإسلامية. يعتبر الإسلام نظامًا متكاملاً ينظم حياة الأفراد والمجتمعات وفقًا لقيم الله وتعاليمه. ومن ثم، ينظر إلى الديمقراطية كمفهوم غريب يقود إلى الفوضى الأخلاقية والسياسية. لذلك، يجب على المسلمين العمل على تبني نظام يحافظ على قيم الدين ويضمن العدالة والاستقرار. بعيدًا عن الأفكار الديمقراطية الغربية التي لا تتوافق مع الأسس الإسلامية.