هل سبق لك أن شعرت بالإحباط عندما لم تُستجب دعواتك؟ هل تساءلت يومًا لماذا تبدو بعض الأدعية وكأنها تذهب أدراج الرياح؟ إنه لأمر محير حقًا، خاصة عندما نؤمن بأن الله سميع مجيب. لكن ماذا لو كانت هناك موانع تحول دون استجابة دعائنا؟ في الواقع، هناك العديد من العوامل التي قد تؤثر على استجابة الدعاء، بعضها يتعلق بنا كأشخاص، وبعضها يتعلق بالدعاء نفسه، وأخرى ترتبط بآداب الدعاء التي قد نغفل عنها. في هذا المقال، سنستكشف معًا شروط وأسباب استجابة الدعاء وموانعه بشكل مفصل. سنبدأ بفهم هذه الموانع، ثم ننتقل إلى تلك المتعلقة بالشخص الداعي، والدعاء نفسه، وآداب الدعاء لنزيد من فرص استجابة دعائنا. فهيا بنا نبدأ هذه الرحلة الإيمانية!
تعريف الدعاء وأهميته في الإسلام
يعتبر الدعاء من أعظم العبادات وأجل الطاعات والقُربات التي يتقرب بها العبد الى ربه عز وجل، حيث يعكس علاقة العبد بربه ويظهر تواضعه واعتماده على الله جل جلاله. كما أنه وسيلة للتواصل مع الله، ووسيلة للإفصاح عن الحاجات والهموم، فضلاً عن كونه اعترافًا بقدرة الله وعظمته.
عندما يدعو المسلم، فإنه يظهر ضعفه وانكساره، ويعبر عن يقينه بقدرة الله على تغيير الأحوال وتحقيق الأمنيات. وقد أمرنا الله بالدعاء، كما أنه وعدنا بالإجابة، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ. [البقرة: 186].
قال الله تعالى: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” [غافر: 60]
أهمية الدعاء في حياة المسلم:
- تقوية الصلة بالله
- تفريج الكروب وحل المشكلات
- زيادة الإيمان والطمأنينة
- نيل الأجر والثواب
أسباب عدم استجابة الدعاء المتعلقة بالعباد
ارتكاب الكبائر والمعاصي
المعاصي والذنوب تشكل حاجزًا بين العبد وربه، مما يؤثر سلبًا على استجابة الدعاء. والكبائر هي الذنوب العظيمة التي ورد فيها حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة من عقاب، أو لعن، أو غضب، أو تهديد، أوعذاب، في كتاب الله تعالى، أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1-1. الشرك بالله
- الشرك الأكبر: يعتبر من أعظم الكبائر التي عصي به الله منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا، ويشير إلى صرف بعض العبادة لغير الله. كدعاء الأموات والاستغاثة بهم، أو بالملائكة أو بالجن أو النذر لهم، أو عبادة الأصنام، أو يعتقد بأن هناك شريكًا لله في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات. وهذا شرك الأكبر مخرج من الملة. قال تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. [البقرة:22].
- الشرك الأصغر: قال ابن القيم في “مدارج السالكين” في كلامه عن الشرك الأصغر: “وأما الشرك الأصغر: فكيسير الرياء، والتصنع للخَلق، والحلف بغير الله تعالى، وقول الر جل ما شاء الله وشئتَ، وهذا مِنَ الله ومنك، وأنا بالله وبك، ومالي إلا الله وأنتَ، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا أنتَ لم يكن كذا، وقد يكون شركاً أكبر بحسب قائله ومقصده”. وقد جاء عن محمود بن لَبيد الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكُمُ الشِّركُ الأصغرُ: الرِّياء، يقول اللهُ يوم القيامة إذا جَزَى النَّاسَ بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تُراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجِدون عِندَهم جزاء؟ رواه أحمد
1-2. قتل النفس
قتل النفس بغير حق من الكبائر العظيمة التي تُغضب الله وتُبعد العبد عن رحمته. قال تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ“ [الإسراء: 33].
1-3. الزنا
الزنا من الكبائر التي تُفسد المجتمع وتُبعد العبد عن رحمة الله. قال تعالى: “وَالزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ” [النور: 2].
1-4. شهادة الزور
شهادة الزور تعد من الكبائر لأنها تُفسد العدل وتُضيع حقوق الناس. قال تعالى: “وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ” [الحج: 30].
1-5. الربا
الربا محرم في الإسلام لأنه يستغل حاجة الناس ويُسبب الظلم الاقتصادي. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا” [البقرة: 278].
1-6. عقوق الوالدين
عقوق الوالدين من الكبائر التي تُغضب الله وتبعد العبد عن رحمته. قال تعالى: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” [الإسراء: 23].
1-7. شرب الخمر
الخمر من المحرمات التي تُفسد العقل وتبعد العبد عن طاعة الله. قال تعالى: “إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَصْنَامُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ” [المائدة: 90].
1-8. أكل الحرام
تناول المال الحرام أو الطعام الحرام يمنع استجابة الدعاء. عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: “إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا” (رواه مسلم).
الخلاصة
ارتكاب الكبائر والمعاصي، مثل الشرك بالله، قتل النفس، الزنا، شهادة الزور، الربا، عقوق الوالدين، شرب الخمر، وأكل الحرام، كلها أسباب تبعد العبد عن رحمة الله وتمنع استجابة الدعاء. يجب على المسلم تجنب هذه الذنوب والتوبة منها ليكون أقرب إلى الله وأحق باستجابة دعائه.
الأسباب المتعلقة بالدعاء نفسه
1. الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم
من أهم موانع إجابة الدعاء هو الدعاء بما يخالف الشريعة الإسلامية. فالله سبحانه وتعالى لا يستجيب للدعاء الذي يتضمن إثماً أو ظلماً. كما أن الدعاء على الأقارب بقطع الصلة معهم يعد من الكبائر التي تمنع استجابة الدعاء. لهذا وجب علينا الدعاء بما يرضي الله.
- جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا …وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام.
- وقال صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم وغيره.
- قال الله تعالى: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [لأعراف:55]
2. الاستعجال وعدم الصبر
إن الاستعجال في طلب الإجابة وعدم الصبر على قضاء الله يعتبر من موانع إجابة الدعاء. فالله تعالى يستجيب للدعاء في الوقت المناسب وفق حكمته. لذا، يجب على المسلم أن يتحلى بالصبر والثبات في دعائه.
- قال تعالى: وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دعَائَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا. [الإسراء: 11]
- وقال: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ. (الأنبياء:37).
- قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: “إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة“.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “التّأنّي من الله والعجلة من الشّيطان“رواه أبو يعلى.
- عَنْ أبي هريرة أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَالَ: يسْتجَابُ لأَحَدِكُم مَا لَم يعْجلْ: يقُولُ قَد دَعوتُ رَبِّي، فَلم يسْتَجبْ لِي. متفقٌ عَلَيْهِ.
- روا مسلم عن أبي هريرة “رضي الله عنه” قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال : يقول : قد دعوت، وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
3. الاعتداء في الدعاء
الاعتداء في الدعاء يظهر في أشكال متعددة، قد تشمل المبالغة في الطلب أو الدعاء بما هو غير معقول، ويمكن أن يكون في الأداء وطريقة الدعاء، أو في الألفاظ والمعاني المستخدمة. في هذا السياق، سأذكر بعض الأنواع الشائعة من الاعتداء في الدعاء.
3-1. أو أن يطلب نفي مادل الشرع والعقل على ثبوته، أو إثبات ما تم نفيه:
كالدعاء للكافر بالرحمة أو عدم خلوده في النار أو عدم قيامة الساعة. أو العكس كأن يدعو على مسلم أن يخلده الله في النار، أو لكافر أن يدخله الله الجنة، أو أن يسأل الله علم الغيب، أو كأن يجعله خالدا. أو يكون أول من تنشق عليه الأرض، وأول من يدخل الجنة. وكأن يكون في مكانين في نفس الوقت أو أن يجعله الله عدما غير موجود. أو أن يسأل الله ما هو من المستحيل عادة، كأن لا يكون في حاجة للأكل أو الشرب. أو تكون له أجنحة يطير بها، أو أن ينزل المطر بالذهب.
3-2. عدم تعليق الدعاء بالمشيئة:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت -، ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له.
3-4. الدعاء بظلم
كقول الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً. فقال له النبي “صلى الله عليه وسلم” : لقد تحجرت واسعاً يريد رحمة الله.
3-5. طلب شيئ محرم
كتيسير السرقة، أو الزنا، أو شرب الخمر… وما إلى ذالك من المحرمات.
3-6. عدم التضرع
حيث يتعالى الداعي ويشعر بأنه مستغنٍ عمّا عند ربه.
3-7. الإسهاب في الدعاء بشكل زائد عن الحاجة:
والغوص في تفاصيل طويلة مكلفة ومعقدة. عن زياد بن مخراق ، قال : سمعت أبا عباية ، عن مولى لسعد : أن سعدا سمع ابنا له يدعو ، وهو يقول : اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ، ونحوا من هذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها . فقال : لقد سألت الله خيرا كثيرا ، وتعوذت بالله من شر كثير ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء ” ، وقرأ هذه الآية : ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين. [الأعراف : 55] ، وإن بحسبك أن تقول : اللهم إني أسألك الجنة ، وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار ، وما قرب إليها من قول أو عمل.
3-8. التحسين المبالغ فيه للصوت:
كالتمطيط في الكلمات، والتركيز على الجانب النغمي بشكل يفوق الحاجة. كما ذكر المناوي، فإنه وفقًا للكمال ابن الهمام، فإن ما يفعله الناس في هذه الأزمنة من تمطيط الكلام والمبالغة في الصياح هو إنشاء لأسلوب موسيقي يتجاوز عبودية الدعاء.
3-9. رفع الصوت بشكل مبالغ فيه
الدعاء هو حوار خاص بين العبد وربه. رفع الصوت بشكل مبالغ فيه قد يخرج الدعاء عن آدابه ويفقده خشوعه. وأصلا رفع الصوت بالذكر أو التكبير ليس من السنة وهو مكروه شرعا حتى فيما شرع فيه الذكر والتكبير إلا في قنوت النوازل يرفع صوته، لأن وراه المأمومين يسمعون. أما إذا كان وحده فالسنة خفض الصوت في الدعاء.
جاء عن أبي موسى الأشعري “رضي اللَه عنه” أنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ، هَلَّلْنَا، وَكَبَّرْنَا، ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ.
- وقال الله تبارك وتعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55].
- كما أن الله تعالى أثنى على عبده ونبيه زكريا عليه السلام بقوله : إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا. [مريم:3].
4. عدم اليقين بالإجابة
إن العبد مطالب عند دعائه لله تعالى بأن يكون على يقين من استجابة الدعاء، حيث إن عدم اليقين يعتبر مانعًا من تلك الاستجابة. كما ذكر الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ أن من أبرز شروط الدعاء هو حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى. واستند في ذلك إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يقبل دعاءً من قلب غافل لاه.
وفي “المسند” عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذه القلوب أوعية، فبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعا من ظهر قلب غافل.
لذا، ينصح العبد بعدم قول: “اللهم اغفر لي إن شئت” ولكن ليعزم في سؤاله، فإن الله لا مكره له. كما ينبه على عدم الاستعجال وترك الدعاء بسبب تأخر الإجابة، حيث يعد ذلك من موانع الإجابة. لأن الله سبحانه وتعالى يحب أن يكون دعاء عبده ملحًا في طلب الإجابة، حتى وإن طالت المدة، حيث يجب على العبد أن لا يقطع رجائه في استجابة دعوته.
كما أن الحكمة الإلهية في عدم الاستجابة قد تكون لأسباب تتجاوز فهمنا المحدود، فقد يكون في ذلك الخير الكثير للعبد. فالله بصير بحالة عبده، وقد يعوضه في الآخرة عن ما سأل، أو يصرف عنه شرًا من الشرور لم يكن على باله.
5. الغفلة وعدم الخشوع أثناء الدعاء
الخشوع وحضور القلب أثناء الدعاء من أهم آدابه. الغفلة وانشغال القلب بغير الله أثناء الدعاء تقلل من فرص الاستجابة.
- يقول سبحانه وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ همْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ. [المؤمنون: 1-2].
- ويقول جل وعلا: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة: 45].
- روا الترمذي والحاكم وحسنه الألباني عن أبي هريرة “رضي الله عنه” قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.
لتجنب هذه الموانع، يجب على المسلم الحرص على التوحيد الخالص، والابتعاد عن المعاصي، وتحري الحلال في المأكل والمشرب، مع الاجتهاد في الخشوع والتضرع أثناء الدعاء. بهذه الطريقة، يزيد المرء من فرص استجابة دعائه بإذن الله تعالى.
شروط وأسباب استجابة الدعاء
1. البدء بحمد الله والصلاة على النبي
يستحب للداعي أن يبدأ دعائه بالثناء على الله تعالى وحمده ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء ، لما روى أبو داود عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” عجل هذا” ثم دعاه فقال له أو لغيره : “إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو بعد بما شاء“. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال عمر رضي الله عنه : “إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم.” رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
2. الدعاء في الأوقات المستحبة
هناك أوقات مفضلة للدعاء في الإسلام، مثل:
- الثلث الأخير من الليل: قال تعالى: وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [سورة الذاريات 18]. وأيضا جاء عن أبي هريرة: أَنّ رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قَال: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَك َوَتَعَالَى، كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟
- بين الأذان والإقامة: روى أبو داود في سننه بسنده عن أنس بن مالك، قال: قَال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: لا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ.
- عند نزول المطر: عن سهل بن سعد رضي اللّه عنه، قال: قَال رسول الله “صلى الله عليه وسلم: ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ، أَوْ قَالَ: قَلَّ مَا تُرَدَّانِ، الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، أَوْ عِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وفي رواية: وتحت المطر.
- عند السجود: عن أبي هريرة: أَنّ رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قَال: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ.
- بعد الصلوات المكتوبة: عن أبي أمامة، قَال: قيل يا رسول الله: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ.
- يوم الجمعة: عن أبي هريرة: أَنّ رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قَال: إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْرًا إِلاّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ.
- شهر رمضان: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم: إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ.
- يوم عرفة: روى مالك في موطئه عن طلحة بن عبيد اللّه بن كريز، أَنّ رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قَال: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
3. إستقبال القبلة أثناء الدعاء
يعد استقبال القبلة أثناء الدعاء من الآداب المستحبة التي تزيد من تركيز الداعي وخشوعه.
عن عبد الله بن عباس “رضي الله عنهما” قَال: حدثني عمر بن الخطاب، قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ. محل الشاهد هو “فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ” من هنا يظهر جليا أن إستقبال القبلة من آداب الدعاء.
4. رفع اليدين أثناء الدعاء
رفع اليدين عند الدعاء هو سنة نبوية مستحبة، وقد وردت عدة أحاديث تؤكد على فضل ذلك. إذ يعتبر رفع اليدين علامة على الذل والافتقار لله.
عن سلمان الفارسيّ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال: إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ.
5. الإلحاح في الدعاء
قال ابن مسعود: كَانَ النَّبِي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا. رواه مسلم وغيره.”
6. الدعاء عن وضوء
لا حرج في الدعاء ولو على غير وضوء، بل حتى ولو كنت جنبًا، لكن الدعاء على طهارة أفضل وأقرب للاستجابة.
7. دعاء المسلم لأخيه المسلم عن ظهر غيب
روى أبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذ دعا الغائب لغائب قال له الملك : ولك مثل ذلك“.
ختاما
فعدم إستجابة الله سبحانه وتعالى لدعوة الداعي قد يكون لأسباب متعددة، بعضها يعود إلى الإنسان نفسه، مثل المعاصي والغفلة أو تناول الحرام، مما يحول بينه وبين استجابة دعائه.
كذلك، قد يختار الله سبحانه وتعالى عدم استجابة الدعاء في الدنيا لحكمة عظيمة. فالله بصير بحالة عبده، وقد يعوضه في الآخرة، أو يصرف عنه شرًا من الشرور لم يكن على باله، أو يكفِّر عنه بعضا من ذنوبه.
كما يذكر في الأحاديث النبوية أن دعوة المسلم لا تضيع. لذلك يجب على المسلم الثبات على الدعاء وعدم اليأس، مع التوجه إلى الله بصدق وإخلاص، وليس فقط عندما يشعر بالحاجة.
كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك قيل: يا رسول الله! إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر.